في ضوء الواقع القاتم الذي يخيم على واقعنا ووطنا العربي الممزق فكرياً وسياسياً واقتصادياً، لا بد من استنهاض عاجل وسريع ومدروس لدور المثقفين العرب من أجل احياء الفكرة والحلم الوردي الذي حلم به المثقفون العرب الأوائل بأن يكون لهم وطناً غير مأزوم، وهذا يتطلب تعظيم الفكرة وتثويرها من خلال اشراك الكل الوطني الذي يتوجب عليه أن يقتنع بضرورة وأهمية وضع المثقف في قالب صناعة القرار ورسم السياسات والاستراتيجيات باعتباره الاقدر و أن يكون ، أيضاً، في المكان المناسب وليس عكس ما يجري الان من تهميش عميق ومقصود لدور المثقفين الذين تركوا يتضورون جوعاً بعد ان اشبعوا العالم أفكار وابداعات في زمان لم يبخلوا فيه على عالمنا العربي وصولا لأمتنا الاسلامية بأذكى الأفكار واغناها، فلا يجوز أن نعيش في هذه المرحلة الزمنية التي يقود فيها المثقفون شعوبهم في الغرب والشرق نحو الازدهار والسمو في وقت يتم تغييب المثقف العربي وتهميش دوره الريادي ، وهذا يطرح سؤالا طويلاً ومشروعاً وهو كيف ينتظم المجتمع أو تستقيم أموره أو كيف تصلح شؤون الوطن و تنمو وتسير في الاتجاه السليم، وكيف تتصوب مفاهيم الحضارة و منجزاتها وخطة سيرها وتطورها، إذا لم تتوفر النخبة المثقفة الموجهة لأجل ذلك ؟
اذا ، لتكن بداية ثورة في هذا الاتجاه تقودنا إلى بداية البدايات عندما زرع المثقف بذور النجاح لمجتمع خرج من العباقرة والقادة وغيرهم، وهذا ليس مستحيلاً لكنه يحتاج الى قليل من التأمل والمصارحة والمكاشفة بين مكونات المجتمع عبر حوار ثقافي ادبي وسياسي وشعبي واع ومدروس تتشارك فيه المجتمعات والدول والأحزاب ، فلا يجوز أن تطوي أوروبا صفحة العداء للثقافة قبل مئات السنين ونحن لا زلنا نمارسها بأغلظ الأساليب واقبحها.
لنعترف هنا بأن المثقف العربي ومنه الفلسطيني وقع في أخطاء ملموسة تمثلت بغياب رغبته الصادقة في تكوين نفسه كما يجب، وخصوصاً مباشرة تربيته لنفسه في سياق معنى القيادة وشرفها وشرف قيادة القيادة، حيث اكتفت الغالبية من هؤلاء المثقفين بما تعلمته من أجل الوظيفة والحصول على المال وهو ما حول طبقة المثقفين الى الطبقة البرجوازية التجارية وأضحى القليل منهم في أماكن القيادة الحقيقية للمجتمع، وعليه فلا بد من إعادة استنهاض واحياء هذا الدور للمثقف، وبما أن الموروث الثقافي يمثل هوية المجتمعات والدول، ويعكس ماضيها وأفعالها، ويمثل للدولة ثروة معرفية ومادية لا يمكن الاستغناء عنها، يتوجب علينا كعرب وكفلسطينيين ان نحافظ على هذا الموروث الثري، من خلال تعزيز وعي الأجيال بأهمية الحفاظ على الموروث الحضاري والثقافي من النسيان وعبر الجهود المجتمعية المشتركة التي يمكن أن تضاعفها مؤسسات المجتمع وهيئاته وتنظيماته المختلفة وأحزابه وأفراده.
لأجل ذلك لا بد من الاقدام على اتخاذ بعض الإجراءات والتدابير الملحة والضرورية لاعادة الاعتبار لدور المثقف وحماية الموروث الثقافي ومن ابرزها واهمها، التنسيق والتشاور الدائم مع المثقفين والاكاديمين العرب في موضوع نشر القضية الفلسطينية عبر المؤسسات الثقافية العربية، وتعزيز الشراكات مع مؤسسات المجتمع المدني في الدول العربية، وعقد ندوات ولقاءات محلية ذات طابع دولي وإقليمي، وتفعيل الشراكة والتعاون بين التكتلات الثقافية وتكثيف تبادل الزيارات وخلق اجسام ضاغطة، اضافة الى المساهمة في تعزيز مؤسسات شعبنا الفلسطيني كي تبقى نبراسا يحتذى به ونورا يستضاء من خلاله للوصول نحو الحرية والعدالة والاستقلال ، فحن نمتلك اكثر الارضيات خصوبة لاعادة الاعتبار لدور المثقف كوننا اكثر الشعوب على وجه المعمورة تعلماً.
عاش المثقف الفلسطيني والعربي
عاشت فلسطين حرة عربية
معا لاعادة دور المثقف العربي الى واجهة العمل المجتمعي والانساني والاممي.